آخر الأخبار

spot_img

محمود درويش في ذكراه: نصوصه الحاضرة في حرب غزة

“صحيفة الثوري” – ثقافة:

عادل الأسطة

حضر محمود درويش في الأشهر الأخيرة كما لم يحضر منذ رحيله في ٢٠٠٨، إذ منذ ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ لم يمر يوم دون أن يقتبس الناشطون الفيسبوكيون قصيدة له أو مقطعا من قصيدة ليدرجوها في صفحاتهم أو ليضمنوها في منشوراتهم، وقد حضرت النصوص التي كتبها في الأحداث الكبرى التي مر بها الفلسطينيون، مثل حرب ١٩٦٧ وحرب ١٩٨٢ وانتفاضة ١٩٨٧ وانتفاضة ٢٠٠٠ أكثر مما حضرت أشعاره التي صدرت في مرحلة السلام ١٩٩٤ – ٢٠٠٠ وبعد العام ٢٠٠٤. بل يمكن القول، إن الأشعار التي راهن عليها لتكون صوته، مثل «جدارية» و»سرير الغريبة» و»لا تعتذر عما فعلت» و»كزهر اللوز أو أبعد»، لم تحضر إلا قليلا جدا.

علينا ألا ننسى أن بعض قصائد الدواوين المذكورة – مثل «درس من كاما سوطرا» و»انتظرها» و»فكر بغيرك» و»تنسى كأنك لم تكن» ومثلها قصيدة «لاعب النرد» التي ظهرت في آخر ديوان له – شاعت بعد وفاته، وهو ما لفت نظر عباد يحيى فكتب عن الظاهرة في روايته «رام الله الشقراء» (٢٠١٣) تحت عنوان «في استغلال الغياب» متأثرا بعنوان كتاب الشاعر النثري «في حضرة الغياب» متسائلا عن سر الهوس الغريب تجاه قصيدة «درس من كاما سوطرا» والتعامل مع درويش كمشاع للجميع: «ولكن لا أفهم استخدامه وأشعاره في كل الأغراض وتحديدا الخسيسة بسفور واضح «على هذه الأرض ما يستحق الحياة».

أنا واحد ممن كتبوا يوميات عن الحرب الدائرة، وقد حضرت أشعار الشاعر فيها حضورا جعلني أفكر في الظاهرة وأتساءل:

– لماذا لم تحضر قصائده التي راهن عليها شاعرا، فيما حضرت أشعاره المرتبطة بالقضية الفلسطينية التي واكبت أبرز منعطفاتها وأخطر أحداثها؟ ومثلها نصه النثري «صمت من أجل غزة». أيعود السبب إلى تشابه الحالة، فالشبيه يستحضر الشبيه؟

ربما!

(نادرا ما عدت في الحرب إلى «جدارية» و«لا تعتذر عما فعلت» و«كزهر اللوز أو أبعد» أو حتى إلى «لماذا تركت الحصان وحيدا؟» وأيضا إلى يوميات «أثر الفراشة» و»لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي»، وغالبا ما عدت إلى «آخر الليل» و»محاولة رقم ٧» و»أعراس» و»مديح الظل العالي» و»ورد أقل» و»هي أغنية.. هي أغنية» و»حالة حصار» وأعدت وغيري نشر فقرات من نصه «صمت من أجل غزة». هل هناك سبب آخر غير «الشبيه يستحضر الشبيه»؟ مثلا أنني عشت مع الدواوين الأخيرة المذكورة أكثر من الدواوين الأخرى؟ ربما!).

في الأيام الأخيرة، أعدت قراءة «أثر الفراشة»، وكنت قرأت، من قبل، بعض قصائده وكتبت عنها مقالة نقدية رصينة، وأعني قصيدة «اغتيال». كما توقفت أمام قصيدته «إدمان الوحيد»، واستحضرت، في بداية الحرب، قصيدته في هدى أبو غالية «البنت/ الصرخة»، ولا أتذكر أنني بعد استحضارها ضمنت يومياتي أي مقطع آخر من المجموعة، بخلاف مجموعة «حالة حصار» الأكثر استحضارا واقتباسا.

ماذا لاحظت وأنا أعود إلى «أثر الفراشة»؟ وماذا فعلت؟

لقد لاحظت أن هناك يوميات عديدة منها تناسب ما نعيشه في الحرب ويمكن اقتباسها وإدراجها؛ يوميات لم تناسب فترة ٢٠٠٧ – ٢٠٢٣ التي ناسبتها قصيدة من الديوان ظلت تتكرر بشكل لافت هي «أنت، منذ الآن، غيرك» التي كتبها إثر أحداث غزة في ٢٠٠٧.

من هذه القصائد، عدا قصيدة «البنت/ الصرخة» التي استحضرت في حروب غزة المتعاقبة، قصائد «نيرون» و»العدو» و»البيت قتيلا». إنها تقول للمرء، حين يقرؤها في هذه الأيام، إن الشاعر حي كتبها في هذه الحرب.

آل مصير آلاف الأطفال في غزة إلى مصير هدى، فصاروا بلا أهل. فقدوا العائلة ووجدوا أنفسهم دون أسرة.

وفي «العدو»، في العام ٢٠٠٦، تذكر الشاعر العام ١٩٨٢ حيث «حدث لنا شيء مما يحدث الآن. حوصرنا وقتلنا وقاومنا ما يعرض علينا من جهنم. القتلى/ الشهداء لا يتشابهون. لكل واحد منهم قوام خاص، وملامح خاصة، وعينان واسم وعمر مختلف».

وفي (نيرون) يتساءل الشاعر عما يدور في باله وهو يتفرج على حريق لبنان وحريق العراق وحريق فلسطين وحريق العالم «أنا صاحب القيامة». ثم يطلب من الكاميرا وقف التصوير، لأنه لا يريد لأحد أن يرى النار المشتعلة في أصابعه، عند نهاية هذا الفيلم الأميركي الطويل!.

وفي «البيت قتيلا» تنتهي حياة بيت كاملة. البيت قتيلا هو أيضا قتل جماعي حتى لو خلا من سكانه، وهو ما آل إليه في هذه الحرب قطاع غزة كاملا. لقد صار القطاع كله بيتا قتيلا.

لماذا لم ننتبه من قبل كثيرا إلى قصائد مثل هذه؟

ربما هي اللحظة التاريخية التي تستحضر نصوصا معينة لم يكن يحتفل بها في لحظة مختلفة!