آخر الأخبار

spot_img

فشل النخب السياسية اليمنية في فهم الواقع الاجتماعي اليمني

“صحيفة الثوري” – كتابات:

حسين علي باهميل

ما أوصل اليمن إلى ما هو عليه اليوم من انقسامات وصراعات لا تنتهي، هو فشل النخب السياسية في فهم طبيعة الواقع الاجتماعي اليمني. فهذه النخب، منذ فجر الاستقلال وحتى اليوم، لم تنطلق في مشاريعها السياسية من واقع المجتمع اليمني بكل تعقيداته وتنوعاته، بل تعاملت معه وكأنه صفحة بيضاء يمكن أن تُكتب عليها الأفكار المستوردة أو النماذج الجاهزة دون مراعاة لخصوصيته التاريخية والثقافية والقبلية.

لقد أخفقت النخب في إدراك أن المجتمع اليمني لا يمكن أن يُقاد بالعقلية الفوقية أو بالقرارات المفروضة من المكاتب الحزبية أو العسكرية، بل يحتاج إلى قيادة تفهم البنية القبلية والاجتماعية، وتعمل على تحويلها إلى طاقة بناء لا أداة صراع.

لكن ما حدث أن النخب السياسية، سواء في الشمال أو الجنوب، تعاملت مع المجتمع بمنطق الإقصاء لا بمنطق الاحتواء، فخلقت طبقات من التهميش والاحتقان، أدّت في نهاية المطاف إلى تفكك الدولة وتآكل مؤسساتها.

في الجنوب، بعد الاستقلال، سادت الأيديولوجيا على حساب التعدد الاجتماعي والسياسي، فحُصرت السلطة في فئة أو حزب، وأُقصيت الكفاءات، فاشتعلت الصراعات الداخلية التي أنهكت التجربة. وفي الشمال، استمر الحكم محصوراً في نطاق ضيق من القوى القبلية والدينية والعسكرية، فتم تسييس الدين والقبيلة حتى أصبحتا أدوات لتثبيت النفوذ لا لخدمة الناس.

وحين جاءت الوحدة اليمنية، كانت فرصة تاريخية لبناء دولة حديثة تتجاوز الماضي، لكن النخب تعاملت معها بعقلية الغلبة لا الشراكة، وبالتنافس على السلطة لا التكامل في الوطن، فانفجر الواقع مرة أخرى في حروب وصراعات لم تهدأ إلى اليوم.

إن المشكلة لم تكن يوماً في الشعب اليمني، فهو شعب حيّ، صبور، ومحبّ للعدل، بل في النخب التي لم تفهمه، ولم تحترم تركيبته الاجتماعية ولا أحلامه البسيطة في العيش الكريم. ولو أدركت هذه النخب أن بناء الدولة لا يتم بالشعارات، بل بالعدالة والمواطنة والمشاركة، لما وصل اليمن إلى هذا التمزق.

اليوم، ومع كل الألم، ما زال الأمل قائماً بأن ينهض جيل جديد من القادة يفهم هذا الواقع بعمق، وينطلق منه لبناء مشروع وطني جامع لا يقوم على التسلط أو الثأر، بل على المصالحة والاعتراف والتعايش. ففهم المجتمع هو أول طريق الخلاص، والاعتراف بالأخطاء هو أول خطوة نحو اليمن الذي نحلم به جميعاً.