آخر الأخبار

spot_img

في اليوم الدولي لمساندة ضحايا التعذيب… اليمن يئنّ من أقبية القهر

عدن- صحيفة الثوري: 

تقرير: عيبان صبر

في اليوم الدولي لمساندة ضحايا التعذيب، الذي يوافق 26 يونيو من كل عام، تتجدد المعاناة وتتكشّف مآسي آلاف المختطَفين والمخفيين قسرًا في اليمن، والذين تقبع أجسادهم في سجون جماعة الحوثي المسلحة، بينما تصرخ أرواحهم في وجه صمت العالم.

توثّق تقارير حقوقية محلية جرائم تعذيب ممنهَج، تتوزع على مئات مراكز الاحتجاز التي تديرها الجماعة في المحافظات الخاضعة لسيطرتها، وسط غياب شبه كلي للمساءلة، وتواطؤ يهدد جوهر الكرامة الإنسانية.

خارطة الاحتجاز… شبكة من السجون والانتهاكات

بحسب ما كشفته الهيئة الوطنية للأسرى والمختطَفين، فإن جماعة الحوثي تدير شبكة ضخمة من أماكن الاحتجاز، تُقدَّر بـ778 سجنًا ومركزًا في 17 محافظة يمنية. وتتوزع هذه المراكز بين سجون رسمية خضعت لسيطرة الحوثيين، وسجون سرية وخاصة تم استحداثها داخل مؤسسات حكومية، ومراكز دينية، وحتى منازل خاصة.

ووثّقت الهيئة، خلال الفترة من 2014 وحتى منتصف 2025، (2,388) حالة تعذيب جسدي ونفسي، من بينها 275 امرأة و67 طفلًا. كما رُصدت 324 حالة وفاة، منها 12 طفلًا وامرأتان، بسبب التعذيب المباشر أو الإهمال الطبي المتعمد، وهو ما وصفته الهيئة بـ”نمط ممنهج من الانتهاكات الجسيمة التي ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية وفق القانون الدولي”.

شهادات مروّعة من الناجين

في إطار إحياء هذا اليوم، عقدت اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان جلسات استماع مباشرة في مدينة عدن، بمشاركة القاضيين ناصر العوذلي وإشراق المقطري، استمعوا خلالها إلى ضحايا سابقين للتعذيب، سردوا تجارب مريرة لما تعرضوا له في سجون الحوثي.

تنوّعت أساليب التعذيب التي رواها الضحايا بين الضرب بأدوات غليظة، الصعق بالكهرباء، التعليق لساعات طويلة، الخنق، التهديد بالقتل، الحبس الانفرادي، والحرمان من الرعاية الطبية، ما أدى إلى وفيات وإعاقات دائمة في بعض الحالات. وطالب الضحايا بحقهم في الإنصاف وجبر الضرر، وفق ما تكفله القوانين الوطنية والمواثيق الدولية.

أرقام مضاعفة وتحذيرات

من جهتها، أصدرت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات تقريرًا حديثًا بمناسبة هذا اليوم، كشفت فيه أن جماعة الحوثي اختطفت ما لا يقل عن 1,937 مدنيًّا بين يناير 2018 وأبريل 2025، من ضمنهم 117 طفلًا، و43 امرأة، و89 مسنًّا، في 17 محافظة.

وأكدت الشبكة أن 476 مختطفًا فارقوا الحياة تحت التعذيب أو بعد الإفراج بفترة قصيرة نتيجة تدهور حالتهم الصحية، بينهم 18 طفلًا، و23 امرأة، و25 مسنًّا. كما بيّنت أن الجماعة تدير نحو 641 مركز احتجاز، من بينها 368 سجنًا رسميًّا، و273 سجنًا سريًّا تم استحداثها داخل مواقع عسكرية ومبانٍ مدنية.

وأعربت الشبكة عن قلق بالغ من تفشي ظاهرة السجون السرية والتعذيب الوحشي، مؤكدة أن تلك الانتهاكات تتم بدعم من النظام الإيراني، في ظل غياب أدوات العدالة والمحاسبة.

التوصيات والتحركات المطلوبة

وفي ظل حجم الانتهاكات الموثقة، شددت تقارير الهيئة الوطنية للأسرى والمختطَفين، واللجنة الوطنية للتحقيق، والشبكة اليمنية للحقوق والحريات، على الحاجة إلى تحرك دولي عاجل، يبدأ بفتح تحقيقات مستقلة ومحايدة تكشف حجم الجرائم المرتكبة داخل مراكز الاحتجاز التابعة لجماعة الحوثي، وتضع المسؤولين عنها أمام المساءلة القانونية المحلية والدولية.

وأكدت الجهات الحقوقية ضرورة الإفراج الفوري عن كافة المختطَفين والمخفيين قسرًا، دون قيد أو شرط، ووضع حد لاستخدام الاحتجاز كسلاح سياسي وأمني. كما دعت إلى إغلاق جميع السجون السرية والخاصة، وتمكين المنظمات الوطنية والدولية من زيارتها، وتقييم أوضاع المحتجزين فيها وفقًا للمعايير الدولية.

وركّزت التوصيات كذلك على أهمية تقديم الرعاية النفسية والصحية والاجتماعية والقانونية للضحايا وأسرهم، انطلاقًا من حقهم في جبر الضرر ورد الاعتبار، كما نصّت عليه اتفاقية مناهضة التعذيب.

في السياق ذاته، طالبت التقارير الجهات الأممية، وعلى رأسها المقرر الخاص المعني بالتعذيب، بتوثيق هذه الانتهاكات في تقاريره الدورية، والقيام بزيارة ميدانية إلى اليمن لرصد الواقع الحقوقي داخل أماكن الاحتجاز.

وشدّدت الأصوات الحقوقية على أن مكافحة التعذيب لا تكتمل إلا بكسر حلقة الإفلات من العقاب، والبدء بخطوات عملية لمحاسبة مرتكبي الانتهاكات، بالتوازي مع دعم برامج التعافي وإعادة التأهيل للضحايا، على المستويين الوطني والدولي.

صرخات خلف الجدران… من يسمعها؟

وفي ظل هذه الشهادات الصادمة والأرقام الثقيلة، تظل أصوات المختطَفين والمخفيين قسرًا تنادي بضمير الإنسانية.

صرخاتهم المكتومة داخل الزنازين، ودموع أمهاتهم، وأسئلة أطفالهم، كلها تدعو العالم لأن يرى، ويسمع، ويتحرّك.