صحيفة الثوري- كتابات:
د. فائزة عبدالرقيب
لم يعد اليمن قادرًا على احتمال المزيد من التسويات الهشّة أو المراوغات السياسية، ولم يعد الصمت على وضع كهذا وانتظار الحل من الخارج مجديًا، بل الأهم أن توجد إرادة سياسية في الداخل هي من تتصدّر الحل قبل الآخرين.
عشر سنوات من الحرب لم تُخلّف سوى الخراب: دولة ممزقة، مؤسسات منهارة، ومجتمع غارق في الفقر والجوع والمرض. هذه الحرب لم تعد مجرد صراع مسلح، بل أصبحت ماكينة تدمير شاملة تلتهم كل ما تبقى من مقومات الدولة والمجتمع. ما لم يتحرك الجميع – محليًا وإقليميًا ودوليًا – لوقف هذا النزيف، فإن الانهيار سيكون شاملًا، وستكون عواقبه وخيمة ليس فقط على اليمنيين، بل على المنطقة بأسرها.
الخيار اليوم واضح لا لبس فيه: إما حوار سياسي شامل وجريء يعالج جذور الأزمة اليمنية، أو انهيار كامل لا رجعة فيه. لا حلول جزئية، ولا تسويات مؤقتة، بل مفاوضات يمنية – يمنية حقيقية تضم جميع الأطراف دون تهميش أو إقصاء، لوضع خارطة طريق واضحة لاستعادة الدولة، وبناء مؤسسات قادرة على فرض القانون وتقديم الخدمات، وضمان توزيع عادل للموارد يصون كرامة اليمنيين ويعيد إليهم الأمل في المستقبل.
منذ اندلاع الصراع في 2014، تحولت اليمن إلى ساحة لتسويات سياسية هشّة وتدخلات خارجية متضاربة، بينما ظلت مؤسسات الدولة تتهاوى، والأزمات الإنسانية تتفاقم. لقد أصبحت الحرب وبالًا على اليمنيين وآلة تمزيق مستمرة، لا تعرف التوقف، تاركة وراءها دولة متصدعة الأوصال وشعبًا يئن تحت وطأة الفقر والمرض.
علينا أن ندرك أن تجارب الحلول الجزئية، مثل اتفاق ستوكهولم، قد أثبتت فشلها الذريع، ليس فقط لعجزها عن معالجة جذور الصراع، بل لأنها عمّقت الانقسام، وسمحت بنمو نفوذ الميليشيات، ورسخت اعتماد الأطراف المتصارعة على قوى خارجية جعلت الحل أكثر تعقيدًا. لذلك على القيادة السياسية والعسكرية أن تتحلى بالشجاعة، وتدرك أن إنقاذ اليمن لم يعد خيارًا بل واجبًا وطنيًا، وأن الرهان على الحل العسكري تعيقه ظروف ذاتية وموضوعية.
اليوم، المرحلة تتطلب مبادرة شاملة وجريئة تُعيد الاعتبار للشرعية الوطنية، وتجمع مختلف القوى اليمنية على طاولة واحدة، لإطلاق حوار سياسي جامع يعالج جذور الأزمة، ويعيد بناء الدولة ومؤسساتها، ويضع أسسًا عادلة لتقاسم الموارد، ويصون كرامة الإنسان اليمني.
لقد بلغت الأزمة الإنسانية مستويات كارثية: أكثر من 17.6 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي، و4.5 مليون نازح، 75% منهم نساء وأطفال. انهيار البنية التحتية، وتدهور الخدمات الصحية، وتفشي الأمراض، جعل حياة الملايين معركة يومية يصارعون من أجل البقاء. هذه الكارثة التي تحدق بشعبنا لم تعد مجرد أثر جانبي للصراع، بل أصبحت جوهر الأزمة التي يجب أن تدفع الجميع إلى التحرك العاجل لتغيير المسار.
إن إنقاذ اليمن يتطلب إرادة سياسية قوية، ومبادرة يمنية شاملة، برعاية إقليمية ودولية، تضمن الشفافية والرقابة، وتفرض التزامات صارمة على الأطراف المعرقلة، مع ربط أي جهود دبلوماسية بحزمة إغاثية عاجلة وآليات مستقلة لضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها بعيدًا عن العبث والفساد. وعليه، فإن القيادة اليمنية، بكل أطيافها، مطالبة بأن ترتقي إلى مستوى اللحظة، وأن تتجاوز الحسابات الضيقة والمصالح الآنية، وتُعلي مصلحة الدولة والشعب فوق كل اعتبار. لا مجال لمزيد من الانتظار أو الرهانات الخاسرة. مصير اليمن ومستقبل أجياله وأمن المنطقة كلها يتوقف على القدرة الجماعية للقيادة على اتخاذ القرار الجريء بالمضي نحو حوار سياسي شامل ينهي الحرب ويعيد بناء الدولة.