آخر الأخبار

spot_img

العدالة الاجتماعية… متى يصبح العالم أكثر إنصافا؟

“صحيفة الثوري” – كتابات:

اليوم حيث تتراكم التحديات الاقتصادية والتكنولوجية والمناخية لا يزال تحقيقها حلماً يسعى إليه كثيرون

داليا محمد

ملخص

“التفاوت الاقتصادي والفجوة الرقمية والتغيرات المناخية تواصل الضغط على الفئات الأكثر هشاشة، تلك التي تحمل أعباء ثقيلة لم تكن مسؤولة عنها، ومع كل خطوة نخطوها نحو العدالة تتناثر قصص المعاناة، لكن الأمل يظل ينبض في قلوب من يسعون إلى رفع الظلم، وبينما نبذل جهدنا في تحقيق هذا الهدف نتذكر أنه عندما تتحقق العدالة الاجتماعية في العالم فلن نحتاج إلى يوم عالمي للاحتفاء بها.”

 

قبل بضعة أيام كنت أجلس في المقهى المحلي الصغير وأنظر من خلف زجاجه إلى العالم المتحرك في الخارج، على الرصيف المقابل رأيت رجلاً يحاول إقناع الناس بشراء صحيفة “بيغ إشيو” التي تسعى الحكومة من خلالها إلى مساعدة الأشخاص المشردين أو المعرضين للتشرد على كسب دخل قانوني وتحسين أوضاعهم المعيشية، إلى جانبه كان هناك رجل بزي العمال الملطخ بالطلاء، وليس بعيداً منهما وقف شاب أنيق يتحدث في هاتفه بينما يبحث في جيبه عن مفتاح سيارته الفارهة المركونة أمامه. تأملت المشهد، وأدركت كيف أن الحياة ليست عادلة للجميع، بعضنا يولد في ظروف تمنحه فرصاً لا نهائية، بينما يكافح آخرون لمجرد البقاء.

في مثل هذا اليوم، الـ20 من فبراير (شباط)، يحتفل العالم باليوم العالمي للعدالة الاجتماعية، وهي مناسبة تذكرنا بأن العدالة ليست مجرد كلمة جميلة في كتب الفلاسفة، بل قضية حقيقية تؤثر في حياة الملايين، إنها تتعلق بالقدرة على الحصول على تعليم جيد ورعاية صحية ووظيفة محترمة وحياة كريمة، لكن في عصر التكنولوجيا والاقتصاد الرقمي هل أصبحنا أقرب إلى تحقيق العدالة، أم أن الفجوة بين الطبقات لا تزال تتسع؟

ما العدالة الاجتماعية؟

تُعرَّف العدالة الاجتماعية بأنها مبدأ يهدف إلى تحقيق المساواة والإنصاف في توزيع الحقوق والموارد داخل المجتمع، بحيث يتمكن الجميع من الوصول إلى الفرص نفسها من دون تمييز.

يختلف مفهوم العدالة الاجتماعية باختلاف المجتمعات والثقافات، لكنه يتمحور حول أربعة أبعاد أساسية هي: المساواة التي تعني ضمان عدم التمييز بين الأفراد بناء على عوامل مثل الجنس أو العرق أو الدين أو الطبقة الاجتماعية، وتكافؤ الفرص في التعليم والعمل والتنمية الاقتصادية بحيث لا تؤثر الخلفية الاجتماعية أو الاقتصادية في إمكانات النجاح، والإنصاف المتمثل في اتخاذ تدابير تعويضية لضمان أن الفئات الأكثر ضعفاً تحصل على الدعم اللازم لتحقيق العدالة الفعلية وليس فقط القانونية، وأخيراً الحقوق الأساسية التي تشمل الحق في التعليم والرعاية الصحية والسكن والحماية القانونية وبيئة عمل عادلة.

وفقاً للبنك الدولي، يعاني أكثر من 40 في المئة من سكان العالم عدم المساواة الاقتصادية، مما يؤدي إلى تفاقم التفاوت في الوصول إلى الخدمات الأساسية ويؤثر في استقرار المجتمعات.

جذور المفهوم وتطوره

لم يكن مفهوم العدالة الاجتماعية وليد العصر الحديث، بل له جذور ضاربة في التاريخ، في الفكر الفلسفي اليوناني ناقش أفلاطون مفهوم العدالة في كتابه “الجمهورية”، إذ رأى أن تحقيق العدالة يتطلب توزيع الأدوار والموارد وفقاً لقدرات الأفراد وحاجات المجتمع، أما أرسطو فقد ميز بين “العدالة التوزيعية” التي تضمن توزيع الموارد بصورة عادلة و”العدالة التصحيحية” التي تعالج الظلم من خلال التعويضات والعقوبات.

في العصور الوسطى تأثر مفهوم العدالة الاجتماعية بالتعاليم الدينية، إذ دعت الأديان السماوية إلى رعاية الفقراء والمساواة في الحقوق والواجبات، على سبيل المثال في الإسلام يُعتبر تحقيق التكافل الاجتماعي من المبادئ الأساسية من خلال الزكاة والصدقات، وفي المسيحية، دعت التعاليم إلى حماية الفقراء وتحقيق الإنصاف من خلال العدل والمحبة.

في العصر الحديث، برز المفهوم بصورة أكبر مع تطور الحركات الاجتماعية خلال القرنين الـ19 والـ20، وبخاصة مع الثورة الصناعية التي أدت إلى تفاقم التفاوت الطبقي، دعا الفيلسوف جون راولز في كتابه “نظرية العدالة” إلى ضرورة تحقيق المساواة في الفرص وتعزيز السياسات التي تضمن تحسين ظروف الفئات الأضعف في المجتمع.

لماذا نحتاج إليها؟

تلعب العدالة الاجتماعية دوراً حيوياً في تعزيز استقرار المجتمعات الحديثة وازدهارها، فمن خلال ضمان توزيع عادل للموارد والفرص تسهم العدالة الاجتماعية في تقليل الفجوات الاقتصادية والاجتماعية مما يؤدي إلى مجتمعات أكثر تماسكاً واستقراراً، وتشير دراسات إلى أن الدول التي تتبنى سياسات عدالة اجتماعية فعالة تشهد معدلات جريمة أقل ومستويات ثقة أعلى بين المواطنين.

علاوة على ذلك، ترتبط العدالة الاجتماعية ارتباطاً وثيقاً بالتنمية المستدامة، تؤكد الأمم المتحدة أن القضاء على الفقر بجميع أشكاله يمثل ضرورة لتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة، في هذا السياق يُعتبر الهدف الأول من أهداف التنمية المستدامة هو القضاء على الفقر المدقع بحلول عام 2030، مما يعكس التزاماً عالمياً بتعزيز العدالة الاجتماعية.

إضافة إلى ذلك تسهم العدالة الاجتماعية في مكافحة الفقر والتهميش من خلال توفير فرص متساوية في التعليم والعمل والرعاية الصحية، وأظهرت دراسات أن تطبيق سياسات حماية اجتماعية شاملة يمكن أن يقلل من معدلات الفقر ويعزز الإدماج الاجتماعي للفئات المهمشة، في مصر مثلاً تعد “رؤية مصر 2030” بمثابة خريطة طريق لتحقيق التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية، مع التركيز على توزيع عادل للموارد وتحسين جودة الحياة لجميع المواطنين.

في العصر الرقمي

تلعب التكنولوجيا دوراً محورياً في تعزيز العدالة الاجتماعية من خلال تمكين الأفراد وتحقيق المساواة في الفرص، في مجال التعليم تسهم التكنولوجيا في تحقيق المساواة عبر منصات التعلم عن بُعد، التي تتيح للطلاب في جميع أنحاء العالم الحصول على محتوى تعليمي عالي الجودة بغض النظر عن موقعهم الجغرافي.

وفقاً لتقرير للـ”يونسكو”، فإن أكثر من 1.5 مليار طالب استفادوا من التعلم عن بُعد أثناء وباء كورونا، مما أتاح فرصاً متساوية لعدد من الطلاب في مناطق نائية.

في قطاع الرعاية الصحية توفر التكنولوجيا حلولاً مبتكرة مثل التشخيص عن بُعد الذي يتيح للمرضى في المناطق النائية الوصول إلى الاستشارات الطبية عبر الإنترنت، وتشير دراسة إلى أن استخدام الذكاء الاصطناعي في تشخيص الأمراض يمكن أن يحسن دقة التشخيص بنسبة 30 في المئة، مما يساعد في توفير رعاية صحية أفضل للأفراد في المجتمعات الفقيرة، كما تسهم الرعاية الصحية الرقمية في تقليل الفجوات بين المدن الكبرى والمناطق الريفية.

(إندبندنت عربية)