آخر الأخبار

spot_img

الشعوب تصنع الطغاة، والطغاة يجلبون الغزاة .. الحالة السورية أنموذجاً

صحيفة الثوري – كتابات:

د. رياض الصفواني

المتواتر تاريخياً أن الشعوب تصنع الطغاة، أياً كان أولئك الطغاة، سواء بضعف الشعوب كما في جواب أرسطو على سؤال: من يصنع الطغاة؟ أو بتملقهم وتزلفهم ونفعيتهم أو خوفاً من بطشهم، حتى لو وصلوا إلى السلطة بانقلابات عسكرية، والطغاة بدورهم يجلبون الغزاة للاستقواء بهم على معارضيهم، وبعد أن يبلغ الاستقواء بالغزاة أشُده ويتعاظم معه الاستبداد والظلم والبطش في الداخل، تتهيأ الظروف وتنضج الشروط الذاتية والموضوعية، مؤذنة بدنو لحظة الخلاص من الطغاة، سواء أكان السبيل إلى ذلك باستقواء المعارضة بالخارج كشأن الطغاة! وفقاً للقاعدة: “الغاية تبرر الوسيلة”، أو بالقوة الذاتية والاعتماد على تأييد الداخل الشعبي والتفافه حولها ..

وفي حالة سوريا كغيرها من بعض الحالات العربية التي سبقتها أو تزامنت معها قبل عقود كانت البداية بانقلاب عسكري، عبّد الطريق لحافظ الأسد ليتولى رئاسة الدولة عام ١٩٧١م، وكان قد تقلد مناصب: رئاسة الوزراء ووزارة الدفاع والقيادة العليا للقوات المسلحة وقبلها الأمين العام القطري لحزب البعث العربي الاشتراكي، وبقبضة حديدية أحكم الأسد سيطرته على البلاد، وأنشأ جهازاً أمنياً قمعياً، عمل من خلاله على التصفية والتنكيل والتعذيب لفصائل من المعارضة وشرّد مئات الآلاف منهم أو أكثر في الداخل والخارج، وبعد وفاته اقتفى ابنه بشار أثره ونودي به رئيساً لسوريا بالوراثة وبأغلبية ساحقة كشأن أبيه، قد لاتعكس تلك الأغلبية بالضرورة تعلق كافة نخب وعامة الشعب السوري بآل الأسد والرغبة الحقيقية في بقاء الحكم فيهم دون سواهم، بقدر ما قد يبدو عليه الأمر من استمرارية فرض وتثبيت أمر واقع، واستناداً على الإرث السياسي الأيديولوجي لآل الأسد في قيادة حزب البعث، وربما استجابة لضغوط خارجية، عوضاً عن استبعاد فصائل المعارضة من الإسلاميين، أو غيرها من الأسباب المعلومة للمراقب والمتابع عن قرب للشأن الداخلي السوري، حيث اجتمع مجلس الشعب السوري في يونيو ٢٠٠٠م عقب وفاة حافظ الأسد مباشرة لتعديل المادة رقم ٨٣ من الدستور التي كانت تنص على أن سن الرئيس يجب أن يكون ٤٠ ثم صارت ٣٤ سنة في نظام جمهوري، الأصل فيه أنه لايمت للتوريث في الحكم ومظاهره بأية صلة، تنامى هذا الجهاز بمرور الوقت واستقوى بالخارج الإقليمي والدولي، وبلغ الاستقواء للبطش بالداخل مداه منذ بداية احتجاجات ماسمي بالربيع العربي ٢٠١١م حتى وصل النظام إلى لحظة “سبق فيها السيف العذَل”، بعد أن تخلى عنه حليفه الإقليمي (إيران) ومن ورائه (روسيا) المستنزَفة في أوكرانيا ضمن تفاهمات تحفظ توازنات ومصالح القوى الإقليمية والدولية الحليفة لكل من النظام وقوى المعارضة المسلحة، وغير بعيد عن مشاريع التقسيم للمنطقة العربية وإعادة النظر في حدود سايكس بيكو ١٩١٦م، فتهاوى النظام في أيام قليلة شهدت تطورات دراماتيكية متسارعة ومثيرة.

ورحم الله فقيد الأمة الدكتور عبدالعزيز المقالح حين قال:

“أينَ الذينَ تألَّهُوا؟

سقطوا كما سقطَ الخُفاشْ

في نارِنا احترقوا،

كما احترقَتْ على النارِ الفَراشْ

ماتَ الطُّغـاةُ الظالمـونَ،

وشعبُنا المظلـومُ عاشْ”.

 

فهل تلتقط الأنظمة العربية الراهنة الفرصة وتفيد من التجربة السورية وتنحاز إلى شعوبها؟أم سيستمر رهانها على جهازها الأمني القمعي، وعلى الاستقواء بالحليف الخارجي بعد أن كشفت الأحداث أن (المتغطي به عريان!)، لتجد نفسها في لحظة مفصلية آتية لامحالة خارج الحسابات المحلية والإقليمية والدولية؟!

ويبقى التحدي الأكبر هو مستقبل سوريا مابعد الأسد.

والأهم أن يستفيد الشعب السوري من (خطيئة) صناعة الطغيان وألا يصنع طغاة جدداً، وألا يتحول النظام الجديد إلى ديكتاتور ، فتتكرر المأساة ويعيد التاريخ نفسه بصورة تراجيدية مؤلمة.